سورة التحريم - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التحريم)


        


جاء في القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّم على نفسه مارية القبطية، وفي الحال حَلَفَ ألاَّ يطأَها شهراً مراعاةً لقلب حفصة حيث رأت النبي صلى الله عليه وسلم معها في يومها.
وقيل: حَرَّمَ على نَفْسِه شرْبَ العسل لمَّا قالت له زوجاته، إِنَّا نشم منك ريح المغافير!
والمغافير صمغ في البادية كريه الرائحة، ويقال: بقلة كريهة الرائحة... فعاتَبَه اللَّهُ على ذلك.
وهي صغيرةٌ منه على مذهب مَنْ جَوَّزَ الصغائر عليه، وتَرْكٌ للأُوْلَى على مذهب مَنْ لم يجوِّز.
وقيل: إنه طَلَّقَ حفصة طلقةً واحدة، فأمره الله بمراجعتها، وقال له جبريل: إنها صوَّامَةٌ قوَّامَة.
وقيل: لم يطلقها ولكن هَمَّ بتطليقها فَمَنَعه اللَّهُ عن ذلك.
وقيل: لمَّا رأته حفصة مع مارية في يومها قال لها: إنِّي مُسِرٌّ إليك سِرّاً فلا تخبري أحداً: إنَّ هذا الأمر يكون بعدي لأبي بكر ولأبيك.
ولكن حفصة ذكرت هذا لعائشة، وأوحى الله له بذلك، فسأل النبيُّ حفصة: لِمَ أخبرتِ عائشة بما قلت؟
فقالت به: ومَنْ أخبرك بذلك؟قال أخبرني الله، وعَرَّفَ حفصةَ بعضَ ما قالت، ولم يصرِّحْ لها بجميع ما قالت، قال تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ}، فعاتبها على بعضٍ وأعرْضَ عن بعض- على عادة الكِرام.
ويقال: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لمَّا نزلت هذه الآية كان كثيراً ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من كل قاطعِ يقطعني عنك».
وظاهرُ هذا الخطاب عتاب على أنَّه مراعاةً لقلب امرأته حَرَّمَ على نفسه ما احلَّ اللَّهُ له.
والإشارةُ فيه: وجوبُ تقديم حقِّ الله- سبحانه- على كل شيء في كل وقت.


أنزل الله ذلك عنايةً بأمره عليه السلام، وتجاوزاً عنه. وقيل: إنه كَفَّرَ بعتق رقبة، وعاوَدَ مارية.
واللَّهُ- سبحانه- أجرى سُنَّتَه بأنه إذا ساكَن عَبْدٌ بقلبه إلى أحدٍ شَوَّشَ على خواصِّه محلَّ مساكنته غَيْرَةً على قلبه إلى أَنْ يُعَاوَدَ رَبَّه، ثم يكفيه ذلك- ولكن بعد تطويل مدةٍ، وأنشدوا في معناه:
إذا عُلِّقَت روحي حبيباً تعلَّقت *** به غَيرُ الأيام كل تَسْلَبَنِّيَهُ
وقد ألقى الله في قلبِ رسوله صلى الله عليه وسلم تناسياً بينه وبين زوجاته فاعتزلهن، وما كان من حديث طلاق حفصة، وما عاد إلى قلب أبيها، وحديث الكفاية، وإمساكه عن وطء مارية تسعاً وعشرين ليلة.. كل ذلك غَيْرَةً من الحق عليه، وإرادتُه- سبحانه- تشويشُ قلوبهم حتى يكون رجوعُهم كلُّهم إلى الله تعالى بقلوبهم.


قوله جلّ ذكره: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ظَهِيرٌ}.
عاتبهما على السير من خَطَراتِ القلب، ثم قال: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ....}.
{وَصَالحُ الْمُؤْمِنِينَ} مَنْ لم يكن منهم في قلبه نفاق، مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وجاء: أن عمر بن الخطاب لما سَمِعَ شيئاً من ذلك قال لرسول الله:
لو أمرتني لأضربنَّ عُنُقَها!
والعتاب في الآية مع عائشة وحفصة رضى الله عنهما إذ تكلمتا في أمر مارية.
ثم قال تعالى زيادةً في العتاب وبيان القصة: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلًَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خِيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَآئِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَآئِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}.

1 | 2 | 3